تدريس مادة الدين في المدارس: باب للاحتقان أم وسيلة للتسامح؟

تدريس مادة الدين في المدارس: باب للاحتقان أم وسيلة للتسامح؟

بقلم الفقير نادى عاطف

في مجتمع متعدد الأديان مثل مصر، يعد ملف تدريس مادة الدين في المدارس من أكثر القضايا الحساسة التي تحتاج إلى معالجة حكيمة. رغم أن الهدف الأساسي لتعليم الدين هو ترسيخ القيم الأخلاقية وتعزيز الفضائل الإنسانية، إلا أن إدراج المادة كمقرر أساسي ضمن المجموع الكلي قد ساهم، في بعض الحالات، في خلق مناخ من الاحتقان والتمييز بين الطلاب المسلمين والمسيحيين.

التمييز من الطفولة: عزلة مبكرة

منذ سن مبكرة، يتم فصل الطلاب في حصص الدين بناءً على معتقداتهم الدينية، مما يغرس في أذهانهم فكرة أن اختلاف العقيدة يستدعي العزلة والانقسام، بدلاً من تعزيز مفهوم التنوع والاحترام المتبادل.
هذا التقسيم الممنهج يخلق حاجزًا نفسيًا غير مبرر بين الطلاب، مما يعزز النظرة الطائفية بشكل غير مباشر.

المقارنات في الدرجات: تنافس غير صحي

عندما يتم احتساب مادة الدين ضمن المجموع، تتحول المسألة من تعليم القيم والمبادئ إلى سباق درجات، مما يفتح المجال للمقارنات بين متوسط درجات الطلاب المسلمين والمسيحيين.

قد يشعر بعض الطلاب من الديانتين بالتمييز إذا تفوقت مجموعة دينية على الأخرى.

قد يستخدم البعض هذه النتائج كوسيلة للمزايدة الدينية، مما يعمق الفجوة بدلاً من ردمها.

الدين مادة معرفية أم وسيلة استقطاب؟

الخطر الأكبر يكمن في أن تدريس الدين أحيانًا لا يركز على القيم الإنسانية المشتركة، بل قد يصبح أداة لغرس تفسيرات متشددة، خاصة إذا لم تكن المناهج متوازنة وتركز فقط على العقيدة الخاصة بكل فئة دون إبراز القيم المشتركة مثل:

الصدق والأمانة.

الرحمة والإحسان.

احترام الآخر والتسامح.

علاوة على ذلك، قد يتسبب غياب الرقابة الفعالة على المعلمين والمحتوى في حدوث انحرافات فكرية، تؤدي إلى تعزيز التصورات السلبية عن الآخر.

البدائل الممكنة: حلول عملية لتعزيز التسامح

لإصلاح هذا الوضع المعقد، يمكن اتباع عدة خطوات:

1. إلغاء احتساب مادة الدين في المجموع:

تدريس الدين بشكل معرفي يركز على فهم المبادئ الأخلاقية دون احتسابه كمادة تنافسية في الدرجات.

2. دمج التعليم الأخلاقي المشترك:

إدراج القيم الإنسانية والأخلاقية المشتركة ضمن مقررات موحدة مثل التربية الوطنية أو الدراسات الاجتماعية، بحيث تشمل الجميع دون تمييز.

3. إعادة تصميم المناهج:

إعادة صياغة مناهج الدين لتصبح أكثر حيادية، مع التركيز على القيم العالمية المشتركة بين الأديان، مثل العدالة، الرحمة، واحترام التنوع.

4. تعزيز الأنشطة المشتركة:

تنظيم أنشطة طلابية مثل الرحلات وحلقات النقاش حول التسامح والتنوع الثقافي، لخلق فرص للتواصل المباشر بين الطلاب من مختلف الأديان.

التعليم رسالة للتوحيد لا للتقسيم

الدين في جوهره يدعو إلى المحبة والسلام، ويجب أن يعكس التعليم هذه القيم لا أن يتحول إلى ساحة للتمييز أو المقارنات. إصلاح طريقة تدريس مادة الدين ضرورة ملحة لتحقيق مجتمع أكثر وعيًا، حيث يتم احترام الاختلافات الدينية بدلًا من استغلالها كوسيلة للفرقة. التعليم هو الأداة الأقوى لبناء الأجيال القادمة، ويجب أن يكون مبنيًا على التفاهم والتسامح، لا على المنافسة والانقسام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *